المُكاء طائر أم سالم

قال تعالى (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً)) [الأنفال:35]

جاء عند المفسرون أن المكاء هو الصفير، و التصدية: التصفيق. و المكاء: طائر من نوع القنابر.

وقالوا : مكا يمكو مَكوًا ومُكاءً” وقد قيل: إن ” المكو “: أن يجمع الرجل يديه، ثم يدخلهما في فيه، ثم يصيح.

وجاء في لسان العرب وغيره من معاجم اللغة :
والمُكَّاء، بالضم والتشديد: طائر في ضرب القُنْبُرةِ إِلا أَن في جناحيه بَلَقاً، سمي بذلك لأَنه يجمع يديه ثم يَصْفِرُ فيهما صَفِيراً حسناً.

وهو طائر يأْلَف الرِّيف والبراري الفسيحة، وجمعه المَكاكِيُّ ، وسمي بذلك -كما ورد في مقاييس اللغة لابن فارس لأنه يمكو أي يصفر، والمكاء في اللغة هو الصفير وقال الشاعر :
‏إذا غرد المكاء في غير روضة
‏فويل لأهل الشاء والحمُراتِ

ويقصد الشاعر بذلك الجدب، لان المكاء يألف الرياض، فإذا أجدبت الأرض سقط في غير روضة، وغرد، فالويل حينئذ لأهل الشاء والحمر.

ويقول أمرؤ القيس:

وأَلْقَى بِصَحْـرَاءِ الغَبيْطِ بَعَاعَـهُ

‏نُزُوْلَ اليَمَانِي ذِي العِيَابِ المُحَمَّلِ

‏كَأَنَّ مَكَـاكِيَّ الجِـوَاءِ غُدَّبَـةً

‏صُبِحْنَ سُلافاً مِنْ رَحيقٍ مُفَلْفَـلِ

وطائر المُكاء كما جاء في المعاجم هي التي تعرف في عاميتنا بأم سَالِم في أنحاء كثيرة من المملكة العربية السعودية وتسمى في نواحي نجران حتى الان بالمكاكي.

وهي التي ترتفع وتنخفض في طيرانها ، وأسمها العلمي كماذكرته بعض المصادر العلمية المتخصصة (القبرة الهدهدية).

ويقول الشاعر الجاهلي الشنفرى وهو يصف طريقة طيران المُكاء وهو ماينطبق على طريقة أم سالم في الطيران:
ولا خرق هيق كأن فؤاده
‏يظّل به المكاء يعلو ويسفل
ويوافق وصف الشنفرى قول شاعرنا الشعبي المعاصر مرير الحبيل العتيبي:

‏أشهد إن البر يااهل ألوفا ماله مثيل
‏يبهج الخاطر وينعشك نفحات إنسمه
‏.
‏وام سالم صوتها يبري القلب العليل
‏ترتفع والها نغمه ترتخي والها نغمه

وذكر ذلك الوصف أيضاً على طائر أم سالم -الذي يسمى عند بعض نواحي نجد بأم صالح – حيث قال الشاعر شقير بن عقيل العتيبي:
ما فيها غير الطيور تصج وتلالي
مع شقة النور والأصوات مسحوبة

فيها أم صالح تجر الصوت موالي
تطلع وتنزل تقول بسلك مجذوبة


وكان العرب يتفاءلون اذا رأوا طير أم سالم ، فقد أسماها أبو زيد الهلالي بطير الفلاح ، حيث قال عند رحيل بني هلال من نجد:

يا نجد لو ان الجفا منك مرة

صبرت لكن الجفا منك دايم

سرنا على هجن قد انقاد حيها

وعرض لنا طير الفلاح أم سالم

كما أن بعض البادية في جنوب المملكة العربية السعودية يتباشرون بالحيا ونزول المطر عند سماع أصوات طائر أم سالم ( المكيكي ) فيقول شاعرهم :

‏ياعم أنا جاني بشيرٍ من الحيا
‏ صوت المكيكي واختلاف الهبايب

وبسبب صوتها و تصفيرها الجميل الذي تطلقه أم سالم خاصة في أوقات الربيع بالقرب من قطعان الماشية ينجذب الرعاه نحوها بغيه الاستمتاع بصوتها أو الرغبة في صيدها لكن بالرغم من قربها منهم تظل حذرة وتطير من بقعه إلى أخرى فتلهيهم عن الرعي ويتيهون عن قطعانهم وماشيتهم فأطلقوا عليها تجاوزا مسمى ( ملهية الرعان ) ولا يقتصر إلهاؤها على الرعيان فقط ، فقد يتحول الركبان وينزلون عن ظهور جمالهم وخيولهم رغبة في مساهدتها ومطاردتها ، فجاء المثل الشعبي بالقول ( أم سالم محولت الراكب ومتيهت الراعي ).

وبسبب صوتها الجميل فإن أم سالم قد استباح دمها في فترة من الفترات التي مرت على نجد بعض غلاة الدين والتنطع ، واستحبوا قتلها لأنها تغني وخصوصا وقت صلاتهم !!
قال الشاعر :
‏يا أم سالم لاتجين منافقية
‏ترفعين الصوت من فوق المباني
‏ثم يجيك مطوع ببندقية
‏ييتم عيالك ويقول الله هداني

وقد جاء- عن أم سالم – في القصص والأساطير الشعبية إن النملة أتت في يوم من أيام الربيع تطلب من أم سالم المساعدة في تجميع الحبوب والبذور فرفضت أم سالم المعروفة بكثرة تغريدها في فصل الربيع بقولها: (يوم من طربي يسواك يا معزوقة الذنبي) ، ولما قل النبت وحل الجدب وأشتد الجوع على أفراخ أم سالم ذهبت متسولة تطلب شيئاً من الحبوب المخزونة لدى النملة التي أبت قائلة: (يوم التعب بالحصايد ملهيك الطرب والقصايد).

وهناك طيوراً أخرى من نوع فصيلتها يتشابه معها في كثير من خصائصها مثل ملهي الرعيان ،( والقوقصة التي ترتفع وتنخفض -أيضاً – في طيرانها) وما نسميه في بيئتنا المحلية في محافظة الكامل بـ (الرهيدي) فهو قريب منها في الشكل وفي صفة عدم الاكتراث بمن يقترب منه .

تعليق واحد على “المُكاء طائر أم سالم

نفاع بن مهنا بن ماضي الصحفي

أسعدك الله أخي مهدي و جزاك خير الجزاء على هذه اللطيفة المعرفية في لغتنا الخالدة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *